فضاء حر

القتل المُضاعَف

يمنات
مذبحة الضالع قتلٌ مضاعَف، فقد استهدفت مكان عزاء. ورغم أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تقتل فيها القوات الحكومية مواطنين في الضالع أثناء حضورهم مناسبة موت، إلا أنها المذبحة الأكبر من نوعها التي تنفذها قوات حكومية في حق مواطنين جنوبيين أثناء حضورهم مناسبة عزاء أو تشييع متوفين.
في مارس 2010، نفذت صنعاء حملتها العسكرية الضارية على الضالع، وارتكبت قوات صالح حينها جرائم واسعة في حق المحتجين السلميين في الضالع، وكان من بين تلك الجرائم إطلاق الرصاص الحي على مشيعي جثامين أشخاص سقطوا أثناء الإحتجاجات أو- وهذا في الغالب- وهم في محالهم يعملون.
أتذكر واحدة من هذه الجرائم على الأقل، حدثت أثناء قيام مشيعين منضوين في إطار الحراك الجنوبي بتشييع جثمان شخص كان قد قتل قبل أيام في محل القات الخاص به برصاص اتهم أحد افراد قوات الأمن بإطلاقها.
أصرّ الحراك الجنوبي على تحويل التشييع إلى مناسبة إحتجاجية، ضغطت السلطات على أولياء الدم كي لا يسمح للحراكيين إتمام ما يعتزمون القيام به، لم أعد أتذكر التفاصيل بالضبط، لكن مناسبة التشييع تحولت إلى تشييع مضاعف أربع مرات.
يبدو أن الحراك نفذ ما أراده، ولا يمكن لومه على هذا، وحتى لو أفترضنا جدلا أنه يلام على ذلك، فإن هذا لا يبرر الجريمة التالية.
أبى طغيان قوة صنعاء العمياء إلا أن يحول ذلك التشييع إلى مقتلة جديدة. ثلاثة مشيعون على الأقل- إن لم تخذلني الذاكرة- قتلوا في ذلك اليوم فضلا عن جرح أضعافهم. وفي ظل عمى القوة والقتل، اضطر المشيعون الى العودة بجثة القتيل السابق الذي منعتهم قوات الأمن من دفنه، عادوا بها دون أن يواروها الثرى، عادوا لها وفوقها ثلاثة قتلى جدد، ثلاث جثث جديدة.
أتذكر الآن بحزن تلك الفترة. فقد تعرضت الضالع للبطش والتنكيل في ظل تعتيم إعلامي شديد على تلك الحملة التي استمرت شهوراً وشكلت نقلة أخرى سيئة في العلاقة بين الضالع وبين الشمال (كانت صحيفة النداء من وسائل الإعلام القليلة جداً التي اهتمت بتغطية أحداث تلك الحملة).
استهدفت الحملة إطباق الحصار الأمني والإقتصادي على الضالع، تعرض السكان الذين يوفرون لقمة العيش غالبا من بيع القات للحصار بالمعنى الحرفي، كان عليهم أن يسلكوا طرقاً بعيدة وشديدة الوعورة كي يصلوا بحمولتهم من القات إلى عدن.
انتهاكات ووجوه قمع عديدة تعرضت لها الضالع آنذاك، لكن حادثة التشييع تلك بالذات ظلت حاضرة في البال، وربما في مكان خاص منه لا أدري لماذا! هل لأن عودة الجنازة من منتصف الطريق دون مواراتها الثرى آلمتني، أم لأن عودة الجنازة رفقة 3 جنازات أخرى دون دفن أيضا آلمتني أكثر؟
ربما الإثنين معاً..
وفي النهاية، لم يكن القتل والقتل المضاعف يحصدان أرواح المحتجين السلميين فقط، بل كانا يحصدان روح “الوحدة اليمنية” و”العلاقة الطيبة مع الشمال” على الأقل. فكل مسيرة تشييع لضحايا الإحتجاجات السلمية في الجنوب كانت ولا تزال تشكل في نظري مسيرة تشييع لما تبقى من شيء نسميه “الوحدة” و”العلاقة الطيبة” بين الجنوب والشمال.
الرحمة للضحايا والمحاكمة لقاتليهم..
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى